تعرّف على كيف يؤثر التقدم العلمي في تنمية الطفولة المبكرة على صحة ونمو الطفل وتحقيق إمكاناته طوال الحياة

تنمية الطفولة المبكرة

التقدم العلمي في تنمية الطفولة المبكرة: نحو علم شامل عبر مسار الحياة

يشهد مجال تنمية الطفولة المبكرة تطورًا علميًا استثنائيًا يؤكد أهمية السنوات الأولى في حياة الطفل وتأثيرها العميق على مسار حياته بأكمله. تكشف الأبحاث الحديثة عن تقديرات جديدة تشير إلى أن 250 مليون طفل (43%) دون سن الخامسة في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل معرضون لخطر عدم الوصول إلى إمكاناتهم التنموية الكاملة.

الإطار المفاهيمي الجديد لتنمية الطفولة المبكرة

منظور مسار الحياة

تطور الطفولة عملية تفاعلية تؤدي إلى تقدم منظم في المهارات الإدراكية والحركية والمعرفية واللغوية والاجتماعية والعاطفية والتنظيم الذاتي. رغم تشابه عملية التطور عبر الثقافات، يمكن أن تختلف معدلات التقدم حيث يكتسب الأطفال مهارات خاصة بثقافتهم المحددة.

يصل الأطفال إلى إمكاناتهم التنموية عندما يكتسبون الكفاءات التنموية للإنجازات الأكاديمية والسلوكية والاجتماعية والعاطفية والاقتصادية. تؤثر عوامل متعددة على اكتساب هذه الكفاءات، بما في ذلك الصحة والتغذية والأمن والسلامة والرعاية المتجاوبة والتعلم المبكر.

الرعاية المُعززة (Nurturing Care)

تتميز الرعاية المُعززة ببيئة منزلية حساسة لاحتياجات الأطفال الصحية والغذائية، ومتجاوبة وداعمة عاطفيًا ومحفزة للنمو ومناسبة تنمويًا، مع توفير فرص للعب والاستكشاف والحماية من الشدائد. أظهرت الدراسات العالمية ارتباطات إيجابية بين الرعاية المُعززة وصحة الأطفال ونموهم وتطورهم.

التقدم العلمي والأدلة العصبية

تأثير الشدائد على نمو الدماغ

وثقت الأدلة العلمية العصبية الحديثة الارتباطات بين الوضع الاجتماعي الاقتصادي المنخفض في الطفولة المبكرة وصغر حجم المادة الرمادية في الحصين. مع انخفاض حجم الفص الجبهي والصدغي، قد تتوسط هذه التغييرات الارتباطات بين الفقر والأداء المعرفي والأكاديمي والسلوكي المنخفض.

يمكن أن تمتد آثار النشأة في الفقر إلى مرحلة البلوغ، مما يؤدي إلى انخفاض التفعيل المرتبط بالمهام لمناطق الدماغ التي تدعم اللغة والتحكم المعرفي ومهارات الذاكرة، وارتفاع تفعيل المناطق المرتبطة بالتفاعل العاطفي.

الفترات الحساسة للتطور

تشير الأدلة إلى وجود فترات حساسة محددة للتدخلات:

التقزم: تشير الأدلة من البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل إلى أن فترة ما قبل الولادة وأول 24 شهرًا بعد الولادة هي الأوقات الأكثر حساسية لارتباط التقزم بالإدراك والوظائف التنفيذية والتحصيل الدراسي اللاحق.

الفقر: يرتبط الفقر بنقص في اللغة والإدراك في سن 3 سنوات يكون أكبر في سن 5 سنوات. تظهر النواقص من السنة الأولى من الحياة، مع ملاحظة نواقص في الوظائف التنفيذية لدى الرضع الأرجنتينيين الذين تتراوح أعمارهم بين 6 إلى 14 شهرًا.

الحرمان النفسي الاجتماعي الشديد: أظهرت تجربة عشوائية للأطفال الرومانيين في المؤسسات أن الأطفال الذين وُضعوا في رعاية بديلة عالية الجودة قبل 24-26 شهرًا أظهروا تحسنًا أكبر في استجابة التوتر واللغة والصحة النفسية مقارنة بالأطفال الذين وُضعوا لاحقًا.

الالتزامات العالمية والتقدم

البحث في تنمية الطفولة المبكرة

منذ عام 2000، زاد عدد المنشورات لجميع المواضيع المراجعة، حيث حققت مواضيع التحفيز (1121 منشور) والمواضيع المرتبطة بالتغذية (التقزم 508، والمغذيات الدقيقة 936) أعدادًا أكبر من المنشورات مقارنة بالملاريا (255) أو اكتئاب الأمهات (139) أو إساءة معاملة الأطفال وإهمالهم (298).

السياسات والاستثمارات

في عام 2000، كان لدى سبعة بلدان منخفضة ومتوسطة الدخل سياسات وطنية متعددة القطاعات لتنمية الطفولة المبكرة. بحلول يوليو 2014، كان لدى 68 من أصل 215 دولة في جميع أنحاء العالم (تشكل 45% من البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل) مثل هذه السياسات.

كان هناك استثمار كبير مرتبط بتنمية الطفولة المبكرة منذ عام 2000. وافق بنك التنمية للبلدان الأمريكية على أكثر من 150 مشروعًا بقيمة تزيد عن 1.7 مليار دولار أمريكي. من 2000 إلى 2013، استثمر البنك الدولي 3.3 مليار دولار في 273 مشروعًا، بشكل أساسي من خلال برامج الصحة والتغذية والسكان.

الوصول إلى البرامج والأنشطة

الأنشطة المنزلية

تعرض الأنشطة منخفضة التكلفة مثل رواية القصص والغناء واللعب بالأشياء المنزلية الأطفال الصغار للخبرات التي تعزز التطور المبكر. وفقًا لبيانات المسح العنقودي متعدد المؤشرات من 2005-2015، 48.4% من حوالي 230,000 طفل في سن 3 و4 سنوات كان لديهم بالغ يقرأ لهم، و67.7% كان لديهم بالغ يسمي أو يعد الأشياء في غضون 3 أيام قبل المسح.

الرعاية والتعليم المبكر المركزي

منذ عام 2000، زاد التحاق الأطفال دون سن 3 سنوات في الرعاية بشكل كبير، خاصة في أمريكا اللاتينية، حيث تشير التقديرات إلى أن عدد الأطفال المسجلين يتجاوز 3.1 مليون. في البرازيل وتشيلي وكولومبيا والإكوادور، ما بين 21% و35% من الأطفال دون سن 3 سنوات يتلقون رعاية الأطفال.

زادت معدلات التحاق بالتعليم قبل المدرسي عالميًا من 33% في 1999 إلى 54% في 2012، مع معدلات عالية بشكل خاص في أمريكا اللاتينية والكاريبي.

التوصيات للمستقبل

الاستثمار في السنوات الأولى

هناك حاجة ملحة لزيادة التغطية متعددة القطاعات للبرامج عالية الجودة التي تتضمن الصحة والتغذية والأمن والسلامة والرعاية المتجاوبة والتعلم المبكر. يجب إيلاء اهتمام خاص للأطفال دون سن 3 سنوات بسبب أهمية حساسية وضعف نمو الدماغ المبكر.

التنسيق متعدد القطاعات

تعتبر السياسات والبرامج العادلة للطفولة المبكرة ضرورية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ولكي يطور الأطفال المهارات الفكرية والإبداع والرفاهية المطلوبة ليصبحوا بالغين أصحاء ومنتجين.

الرصد والتقييم

هناك حاجة للتنسيق والرصد والتقييم عبر القطاعات لضمان توفر خدمات تنمية الطفولة المبكرة عالية الجودة طوال فترة الطفولة المبكرة والمدرسة الابتدائية، حتى سن 8 سنوات.

جدول: مؤشرات التقدم في تنمية الطفولة المبكرة

المؤشر20042010التحسن
عدد الأطفال المعرضين للخطر (مليون)279.1249.4-29.7
النسبة المئوية للأطفال المعرضين للخطر51%43%-8%
التحاق الأطفال بالتعليم قبل المدرسي33% (1999)54% (2012)+21%
البلدان التي لديها سياسات تنمية طفولة مبكرة7 (2000)68 (2014)+61

الخلاصة

يؤكد التقدم العلمي الحالي في مجال تنمية الطفولة المبكرة أن الاستثمار في السنوات الأولى من حياة الطفل يحقق عوائد استثنائية تمتد طوال مسار الحياة. تشير الأدلة العلمية العصبية إلى أن الرعاية المُعززة في الطفولة المبكرة تحمي نمو الدماغ وتخفف من الآثار الضارة للشدائد، بينما تستمر الشدائد المبكرة في التأثير على الصحة والإنتاجية في مرحلة البلوغ. هذه النتائج تقدم مبررًا اقتصاديًا قويًا للاستثمار في تنمية الطفولة المبكرة، خاصة للأطفال دون سن 3 سنوات.


المرجع:
Advancing Early Childhood Development: from Science to Scale – PNAS

إرسال التعليق

ربما فاتك